[الحديث وعلومه,كتب التوحيد والعقيد,الجرح والتعديل][carousel1][#f39c12]

بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد :

   الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى أحد كبار العلماء في هذا الزمان، ومجدد علم الحديث وطريقة أهله في هذا القرن، ومن أكثر علماء أهل السنة اعتناء ببحث القضايا المنهجية الدعوية، عالم عاش داعيا إلى الله تعالى وإلى منهج السلف الصالح، ومجاهدا بقلمه ولسانه كل مظاهر الانحراف عن صراط الله تعالى وسنة نبيه e ، وعايش كثيرا من الطوائف والجماعات، وعرف عقائدهم وخبر مناهجهم، وكشف ضلالات الضالين ورد على أخطاء المخالفين([1])، وكان بحق شوكة في حلوق أهل الزيغ والهوى، لكنه -رحمه الله تعالى- عُرِف بالعدل والإنصاف وتجسدت فيه مقولة ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في صفة أهل السنة والعلم والإيمان من أنهم" يعلمون الحق ويرحمون الخلق "([2]).

ومن أصول الإسلام وخصائص دعوة أهل الحق الإنصاف للمخالف ولو كان مبتدعا بل ولو كان كافرا ، قال الله تعالى :] وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ (المائدة:8)، ولا يشك أحد أن من خصائص منهج الألباني رحمه الله في التعامل مع مخالفيه الإنصاف لهم وعدم إنكار ما لهم من خير وحسنات، فالشيخ رحمه الله لم يمنع منعا مطلقا من الثناء على من وقع في البدعة، بل فصَّل في ذلك تفصيلا حسنا حيث قال :« الجواب يختلف باختلاف المقاصد، إذا كان المقصود بالثناء على مسلم نظنه مبتدعا ولا نقول إنه مبتدع …فإذا كان المقصود بالثناء عليه هو الدفاع عنه اتجاه الكفار فهذا واجب ، وأما إذا كان المقصود بالثناء عليه هو تزيين منهجه ودعوة الناس إليه ففيه تضليل لا يجوز»([35]). وقول الألباني "الدفاع عنه اتجاه الكفار" فيه تنبيه إلى بناء قضية الثناء على الأشخاص على عقيدة الولاء والبراء، فمهما أبغضنا شخصا لخلافه للسنة ، فلا ينبغي أن نهدر حقه في الولاء ما دام مسلما، ولا يجوز أن نتزلف إلى الكفار والمنافقين بالقدح فيه وبيان مثالبه ، بل الواجب علينا أن ندافع عنه ونثني عليه بما هو فيه مع البراءة من خطئه الذي لا نعتقده ولا نتبناه.

   وتبنى هذه القضية أيضا على مسألة الموازنة التي سبق شرحها، حيث أجاز الشيخ أن تذكر محاسن المخالف في مقام
التعريف والترجمة.

وهذه بعض النماذج التطبيقية التي تبين إنصاف الشيخ الألباني -رحمه الله-للمخطئين والمخالفين .
أولا : إنصافه لابن حزم رحمه الله 

  قال رحمه الله بعد أن تحدث عن انحراف ابن حزم في باب الصفات:« فلا نستطيع أن نقول في ابن حزم ولا في غيره بأنه كافر ، بل و لا أستطيع أنا شخصيا أن أقول إنه ضال ، وإن كان وقع في الضلال، لأنني أشعر من مطالعتي لكتبه ولطريقة احتجاجه واستدلالاته على أصوله أنه يبتغي الحق، فحسبنا أن نقول فيه وفي أمثاله أنه مأجور أجرا واحدا ، لكن هذا لا يمنعنا من الصدع والتصريح بتخطئته سواء كان خطؤه في العقيدة أو في الفقه »([36]).

ثانيا : إنصافه لمحمد رشيد رضا رحمه الله

   قال في ترجمته للشيخ محمد رشيد رضا : « السيد محمد رشيد رضا رحمه الله له فضل كبير على العالم الإسلامي بصورة عامة وعلى السلفيين منهم بصورة خاصة ، ويعود ذلك إلى كونه من الدعاة النادرين الذين نشروا المنهج السلفي في سائر أنحاء العالم بواسطة مجلة المنار، وقد جاهد في سبيل الله جهادا يشكر عليه ، ويرجى أن يكون أجره مدخرا له عند ربه.

  بالإضافة إلى كونه داعية إلى اتباع منهج السلف الصالح فيما كانوا عليه من عقيدة وفكر وسلوك، فقد كانت له عناية تشكر بالأحاديث الصحيحة والضعيفة … فكثيرا ما نبه إلى ضعف بعض الأحاديث من حيث إسنادها عبر مجلته المنار التي أصبحت نواة طيبة لفتت أنظار المسلمين للعناية بأحاديث الرسول عليه السلام، فإذا كان من الحق أن يعترف أهل الفضل بالفضل لذوي الفضل ، فأجد نفسي في هذه المناسبة الطيبة مسجلا هذه الكلمة ليطلع عليها من بلغته، فإنني بفضل الله عز وجل، بما أنا فيه من الاتجاه إلى السلفية أوَّلاً، وإلى تمييز الأحاديث الضعيفة والصحيحة ثانيا يعود الفضل الأول في ذلك إلى السيد رضا رحمه الله عن طريق أعداد مجلته المنار التي وقفت عليها في أول اشتغالي بطلب العلم ……إلا أن تقديرنا للسيد رشيد رضا لا يحملنا على أن لا نذكر ما وقع فيه من انحراف، قلما ينجو منه إنسان، ولكي لا يتورط الناس ، ويزلوا بزلة عالم كالسيد رشيد رضا رحمه الله … وقد تأثر رشيد بشيخه عبده إلى حد كبير في علم الإيمان بالمغيبات، فتأول ما استطاع من بعض النصوص الغيبية، بل وشكك في كل شيء منها إذا استطاع إلى ذلك سبيلا …» ([37]).

ثالثا : إنصافه لحسن البنا رحمه الله

1-قال رحمه الله :« ونحن انطلاقا من قوله تبارك وتعالى :] وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ (المائدة:8) ..لا نبخس داعية حقه ونعتقد فيه دون إفراط ودون تفريط، فحسن البنا أعتقد أن له يدا حسنة على كثير من الشباب المسلمين الذين كانوا ضائعين وراء اتباع الملاهي والعادات الغربية كالملاهي والسنمايات، فجمعهم حوله، وهو تكتل حزبي لا نرضاه، لكن قد كان دعاهم إلى الكتاب والسنة والتمسك بالإسلام الذي كان هو على علم به فنفع الله به وانتشرت دعوته في أقطار العالم الإسلامي، وهذا ما ندين الله به بالنسبة لدعوته ولكننا لا نغالي فيه كما يقول المتحزبون، فإنه لم يكن -مع الأسف- على علم بالكتاب والسنة ولم يكن داعية إلى الكتاب والسنة على منهج السلف » ([38]).

2-وقال فيه :» هذا الرجل له حسنات وله انحرافات …الذي أعرفه قديما أنهم كانوا يعدون الملايين (يعنى المتأثرين بدعوته) بسبب إخلاص هذا الرجل في دعوته، والانحراف الذي نعده عليه لعله كان باجتهاد منه يؤجر عليه إن شاء الله «([39]).

رابعا : إنصافه لسيد قطب رحمه الله

1-قال رحمه الله وهو ينتقد سيد قطب في وصفه لهذا الزمن بأنه زمن جاهلية :« ثم إن في كلام سيد قطب رحمه الله وفي بعض تصانيفه ما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس، ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية؛ ففي بعض المسائل الفقهية كحديثه عن حق العمال في كتابه العدالة الاجتماعية أخذ يكتب بالتوحيد وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم، فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدد دعوة الإسلام في قلوب الشباب » ([40]).

2-وقال رحمه الله:» وسيد قطب هذا الرجل نجله على جهاده لكنه لا يزيد على كونه كان كاتبا كان أديبا منشئا، لكنه لم يكن عالما فلا غرابة أن يصدر منه أشياء وأشياء وأشياء تخالف المنهج الصحيح «([41]).

3-وقال الألباني رحمه الله:« رأينا أنه رجل غير عالم وانتهى الأمر!! ماذا تريد - يعني- أكثر من هذا ؟!! إن كنتَ تطمع أن نكفِّره، فلستُ من المكفّرين، ولا حتى أنتَ أيضاً من المكفّرين .. ، أنا بقول لك ، أنا بشهد معك ، لكن ماذا تريد إذاً ؟؟!!

  يكفي المسلم المنصف المتجرِّد أن يُعطي كل ذي حق حقه، وكما قال تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) .

الرجل كاتب ، ومتحمس للإسلام الذي يفهمه، لكن الرجل أولاً ليس بعالم، وكتاباته (العدالة الاجتماعية) هي من أوائل تآليفه، ولما ألّف كان محض أديب، وليس بعالم .

  لكن الحقيقة أنه في السجن تطوّر كثيراً، وكتب بعض الكتابات كأنها بقلم سلفي ليست منه .. لكن أنا أعتقد أن السجن يُربّي بعض النفوس، ويُوقظ بعض الضمائر فكتب كلمات، يعني يكفي عنوانه الذي يقول: (لا إله إلا الله، منهج حياة)، لا إله إلا الله منهج حياة.

  لكن إذا كان هو لا يفرِّق بين توحيد الألوهية، وبين توحيد الربوبية، هذا لا يعني أنه لا يفهم توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وأنه يجعلهما شيئاً واحداً .. لكن يعني أنه ليس فقيهاً، وليس عالماً، وأنه لا يستطيع أن يُعبّر عن المعاني الشرعية التي جاءت في الكتاب وفي السنة، لأنه لم يكن عالماً .

فقال السائل: ألا ترى - يعني- مع هذا التأثر وهذه الأمور التي كتبها ، أن يُرد عليه مثلاً ؟

فقال الألباني- رحمه الله-: نعم يُرد عليه، ولكن بهدوء وليس بحماس..يُرد عليه، وهذا واجب.. ليس الرد على المخطئ محصوراً بشخص أو أشخاص.. كل من أخطأ في توجيه الإسلام بمفاهيم مبتدَعة، وحديثة ولا أصول لها في الكتاب ولا في السنة، ولا في سلفنا الصالح، والأئمة الأربعة المتبَعين؛ فهذا ينبغي أن يُرد عليه.

لكن هذا لا يعني أن نعاديه وأن ننسى أنه له شيئا من الحسنات ، ويكفي أنه رجل مسلم وكاتب إسلامي –على حسب فهمه للإسلام كما قلت أولا- وأنه قتل في سبيل دعوته للإسلام ، وأن الذين قتلوه هم أعداء الإسلام ، وأما كونه كان منحرفا في كثير أو قليل من الإسلام ، فأنا في اعتقادي قبل ما تثور هذه الثورة ضده ، أنا الذي قوطعت من جماعة الإخوان المسلمين بزعم إني كفرت سيد قطب، وأنا الذي دللت بعض الناس على أنه يقول بوحده الوجود في بعض كتاباته بل في نفس التفسير ، لكن في نفس الوقت أنا لا أنكر أنه كان مسلما وأنه كان غيورا على الإسلام وعلى الشباب المسلم وأنه يريد إقامة الإسلام ودولة الإسلام ، لكن الحقيقة أوردها سعد وسعد مشتمل ما هطكذا يا سعد تورد الإبل .

فقال السائل: هل يحذَّر من كتبه؟

فقال الشيخ الألباني- رحمه الله- : يحذَّر من كتبه من الذين لا ثقافة إسلامية صحيحة عندهم «([42]).

   وهذه الطريقة التي سلك الشيخ رحمه الله تعالى هي طريقة أهل السنة والجماعة وأهل العدل والاعتدال ، التي لا غلو فيها ولا انحلال ، قال ابن القيم :« فهم حكام بين الطوائف لا يتحيزون إلى فئة منهم على الإطلاق، ولا يردون حق طائفة من الطوائف ولا يقابلون بدعة ببدعة ولا يردون باطلا بباطل، ولا يحملهم شنآن قوم يعادونهم ويكفرونهم على أن لا يعدلوا فيهم، بل يقولون فيهم الحق ويحكمون في مقالالتهم بالعدل، والله سبحانه وتعالى أمر رسوله أن يعدل بين الطوائف فقال:]فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ [ (الشورى:15) فأمره سبحانه أن يدعو إلى دينه وكتابه وأن يستقيم في نفسه كما أمره وأن لا يتبع هوى أحد من الفرق، وأن يؤمن بالحق جميعه ولا يؤمن ببعضه دون بعض وأن يعدل بين أرباب المقالات والديانات، وأنت إذا تأملت هذه الآية وجدت أهل الكلام الباطل وأهل الأهواء والبدع من جميع الطوائف أبخس الناس منها حظا وأقلهم نصيبا، ووجدت حزب الله ورسوله وأنصار سنته هم أحق بها وأهلها وهم في هذه المسألة وغيرها من المسائل أسعد بالحق من جميع الطوائف»([43]).

المصدر:كتاب منهج الألباني في مسائل التبديع والتعامل مع المخالفين

__________________________

المراجع :


[1]/ وقد صدر عن تسجيلات الرغائب والنفائس قرص جمع فيه كلام الشيخ الألباني على الفرق والجماعات الإسلامية، ضمنوه حديثه في الفرق الإسلامية القديمة والجماعات الحديثة .

[2]/ مجموع الفتاوى لابن تيمية (16/96).

 [35]/ سلسلة الهدى والنور (666) الوجه الثاني.

[36]/ فتاوى جدة (6) الوجه الأول.

[37]/ حياة الألباني لمحمد بن إبراهيم الشيباني (1/400-402).

[38]/ سلسلة الهدى والنور (805) الوجه الثاني.

[39]/ سلسلة الهدى والنور (216) الوجه الأول.

[40]/ حياة الألباني (1/394) ومن أقدم من نبه على بعض أخطاء سيد قطب رحمه الله الشيخ الألباني ، حيث انتقد كلامه الموهم للاتحاد في مجلة المجتمع الكويتية (سنة 1400) وانتقده أيضا في تسميته لهذا العصر بجاهلية القرن العشرين كما في حياة الألباني (1/391)، وكذلك الشيخ عبد الله بن محمد الدويش المتوفى سنة (1407) في كتابه المورد العذب الزلال في التنبيه على أخطاء تفسير الظلال، وسليم الهلالي مع الدبيح في كتاب الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة الصادر عام 1399هـ، وآخرون قبلهم وبعدهم كمن رمز لاسمه (ع أبو عزة) في سلسلة مقالات نشرها في مجلة الشهاب اللبنانية عام 1393هـ، وقد اجتهد عبد الفتاح صلاح الخالدي في الإجابة عن تلك الانتقادات في كتابه الصادر سنة 1405 هـ"في ظلال القرآن في الميزان"، فلم يوفق في كثير مما ذهب إليه خاصة في قضية التكفير ومعنى الألوهية، والأسماء والصفات، والعجيب أنه اعترف بكون سيد قطب لا يقبل أخبار الآحاد في العقيدة ومع ذلك قرر أن عقيدته سلفية !!.

[41]/ سلسلة الهدى والنور (666) الوجه الأول، وانظر أيضا (785) الوجه الأول .

[42]/ سلسلة الهدى والنور (814) الوجه الثاني.

[43]/ شفاء العليل لابن القيم (52).

يتم التشغيل بواسطة Blogger.