بِسْــــــــــــــــمِ اﷲِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم
نسبه :
ينتمي سعيد بن زيد بن عمرو إلى قبيلة عديٍّ، أحد القبائل العشر التي توزَّعت سلطات المجتمع المكي قبل بزوغ الإسلام، وهو ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته فاطمة.
إسلامه :
وكان سعيد من السابقين إلى الإسلام؛ إذ أسلم قبل أن يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها، وكان رجلاً طويلاً، آدم "أسمر"، أشعر "كثير الشعر".
البشارة بالجنة :
وكان أحد تسعة يقفون دائمًا أمام رسول الله في القتال ووراءه في الصلاة، ومن كان هذا سلوكه فخليق به أن يُبشَّر بالجنة من النبي الذي لا ينطق عن الهوى.
رُوي عن سعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عشرة من قريش في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وسعيد بن زيد، وأبو عبيدة بن الجراح)).
ورُوي عن ابن عوف قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)).
وجاء في الأثر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اثبت حراء -جبل- فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)).
فروى سعيد أسماء تسعة: رسول الله، وأبا بكر، وعمر، وعليًّا، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن مالك، وقال: لو شئت أن أُسمي العاشر لفصلتُ، يعني نفسه.
ولما هاجر سعيد بن زيد إلى المدينة نزل على رفاعة بن عبد المنذر أخي أبي لبابة، وقال الواقدي في الطبقات الكبرى: "إن رسول الله - عليه السلام - آخى بين سعيد، ورافع بن مالك الزرقي".
ولكن ابن عبد البر في الاستيعاب قال: "إن الرسول آخى بين سعيد وأبيِّ بن كعب".
غزواته :
أما فيما يتَّصل بشهود سعيد غزوة بدر أو عدم شهودها، فهناك اختلاف واضح بين الواقدي وابن عبد البر؛ إذ يَحكي الأول أن الرسول - عليه السلام - لما تحيَّن فصول - رجوع - عير قريش من الشام بعث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد قبل خروجه من المدينة بعشر ليال يتحسَّسان خبر العير، فخرَجا حتى بلَغا الحوراء - مكان قرب بدر وفي طريق العير - فلم يَزالا مُقيمين هناك حتى مرَّت بهما العير، وبلَغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - الخبر قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فندب أصحابه وخرَج يريد العير، فساحلَتْ أي: اتخذَتْ طريق الساحل القريب من البحر لتُفلت من قبضة الرسول - كما أنها أسرعَت وواصلت سيرها ليلاً ونهارًا فرارًا من تعرُّض المسلمين لها؛ وذلك يعني فرَقًا وخوفًا من الطلب.
وخرَج طلحة وسعيد يُريدان المدينة؛ ليُخبِرا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خبر العِير، ولم يطمَعا بخُروجه، فقَدِما المدينة في اليوم الذي لاقى رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فيه النفير من قريش ببدر: (وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً)[الأنفال: 42].
وترتيبًا على هذا الذي ذكَره الواقدي أن طلحة وسعيدًا وإن لم يشهد وقعة بدر فقد استحقَّا أن يَضرب الرسول لهما ببسهمَيهما وأجورهما في بدر؛ إذ كانا في مهمة تتعلَّق بهذه الوقعة، ولكنْ أنْ يذكر ابنُ عبد البر في الاستيعاب وابن هشام في سيرة النبي أن سعيدًا وطلحة كانا يومئذ بالشام، ومع ذلك فالرسول يَضرب لهما بنصيبيهما! فهذا يكون موضِع نظر إلا أن يكونا قد سافَرا إلى الشام في رحلة لاستطلاع حركات المُشركين الذين خرجوا إليه في تجارة...هذا فرض يحتمل الخطأ والصواب، والله أعلم.
وقد شهد سعيد بعد ذلك أحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لسعيد نحو أربعة وثلاثين ابنًا وبنتًا، ولكن معظم أولادِه لم يعقبوا.
وروي عن طلحة وسعيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن قُتل دون مالِه فهو شهيد)).
ورُوي عن سعيد بن عمر، وعمر بن حريث، وأبي الطفيل، وعبدالله بن ظالم المازني، وزر بن حبيش، وأبي عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وغيرهم.
مجاب الدعوة :
وكان سعيد بن زيد مُجاب الدعوة؛ من ذلك أن أروى بنت أويس شكتْهُ إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة لمعاوية، وقالت: إنه ظلمني أرضي، فأرسل إليه مروان، فقال سعيد: "أتروني ظلمتُها وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من ظلم شبرًا من أرض طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين))؟!
اللهم إن كانت كاذبة، فلا تُمِتْها حتى تُعمي بصرها، وتجعل قبرها في بئرها"، فلم تَمُت حتى ذهب بصرها، وجعلت تمشي في دارها فوقعَت في بئرها فكانت قبرها.
وفاته :
وقد استُصرخ على سعيد يوم جمعة، بعدما ارتفع الضحى، وكان مُقيمًا بالعقيق من ضواحي المدينة، وحين تُوفي قام ابن عمر بتحنيطه بالمسك وحُمل إلى المدينة ودفن بها، ونزل في مقربة سعد بن أبي وقاص؛ وذلك سنة خمسين أو إحدى أو ثمانٍ وخمسين من الهجرة، وهو يومئذ ابن بضْع وسبعين سنة.
وبقي أن تعلم أن زيد بن عمرو والد سعيد كان يَطلب الدين الخالص لله؛ فقد قدم الشام، فسأل اليهود والنصارى عن الدين فلم يُعجبه دينهم، وكان يُعادي مَن عبَد مِن دون الله شيئًا، ولا يأكل ما ذُبح على الأصنام.
وأُثر عن والد سعيد أنه كان يقول أنا أنتظِر نبيًّا من ولد إسماعيل يُبعث ولا أراني أُدركه، وأنا أومن به وأصدِّقه وأشهد أنه نبي، وقال لأحد رفقائه - وهو عامر بن ربيعة -: "فإن طالت بك مدة، فرأيته فأَقرِئه مني السلام"، قال عامر: فلما بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت وأخبرته بقول زيد بن عمرو وأقرأته منه السلام، فرد عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترحَّم عليه، وقال: ((قد رأيته في الجنة يسحَب ذيولا)).
وعن حجير بن أبي إهاب قال: رأيت زيد بن عمرو وأنا عند صنم بوانة، بعدما رجع من الشام، وهو يُراقب الشمس، فإذا زالت استقبَلَ الكعبة فصلى ركعة وسجد سجدتين ثم يقول: هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل، لا أَعبُد حجرًا ولا أصلي له، ولا أذبح له، ولا آكل ما ذُبح له، ولا أستقسِم بالأزلام، ولا أُصلي إلا إلى هذا البيت حتى أموت، وكان يَحجُّ فيَقف بعرفة، وكان يُردِّد في تلبيته: لبَّيك لا شريك لك ولا ندَّ لك.
وهكذا فُتحت أمام سعيد بن زيد أبواب النجاة فترعرَع في ظلِّ والده الذي فُطر على وحدانية الله، وكان مِن السابقين لدعوة رسول الله.